فصل: خطبة عمرو

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 خطبة عمرو

وقال ابن عبد الحكم في تاريخه خطبة عمر‏:‏ حدثنا عبد الرحمن حدثنا سعيد بن ميسرة عن إسحاق بن الفرات عن ابن لهيعة عن الأسود بن مالك الحميري عن بحير بن ذاخر المعافري قال‏:‏ رحت أنا ووالدي إلى صلاة الجمعة تهجيرًا وذلك آخر الشتاء‏:‏ أظنه بعد حميم النصارى بأيام يسيرة فأطلنا الركوع إذ أقبل رجال بأيديهم السياط يزجرون الناس فذعرت فقلت‏:‏ يا أبت من هؤلاء قال‏:‏ يا بني هؤلاء الشرط فأقام المؤذنون الصلاة فقام عمرو بن العاص على المنبر فرأيت رجلا ربعة قصد القامة وافر الهامة أدعج أبلج عليه ثياب موشية كأن به العقيان تأتلق عليه حلة وعمامة وجبة فحمد الله وأثنى عليه حمدًا موجزًا وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ووعظ الناس وأمرهم ونهاهم فسمعته يحض على الزكاة وصلة الأرحام ويأمر بالاقتصاد وينهى عن الفضول وكثرة العيال وقال في ذلك‏:‏ يا معشر الناس إياكم وخلالًا أربعة فإنها تدعو إلى النصب بعد الراحة وإلى الضيق بعد السعة وإلى المذلة بعد العزة‏.‏

إياكم وكثرة العيال وإخفاض الحال وتضييع المال والقيل بعد القال في غير لمحرك ولا نوال ثم إنه لا بد من فراغ يؤول إليه المرء في توديع جسمه والتدبير لشأنه وتخليته بين نفسه وبين شهواتها ومن صار إلى ذلك فليأخذ بالقصد والنصيب الأقل ولا يضيع المرء في فراغه نصيب العلم من نفسه فيكون من الخير عاطلًا وعن حلال الله وحرامه غافلًا‏.‏

يا معشر الناس إنه قد تدلت الجوزاء وذكت الشعرى وأقلعت السماء وارتفع الوباء وقل الندى وطاب المرعى ووضعت الحوامل ودرجت السخائل وعلى الراعي بحسن رعيته حسن النظر فحي لكم على بركة الله إلى ريفكم فنالوا من خيره ولبنه وخرافه وصيده وأربعوا خيلكم وأسمنوها وصونوها وأكرموها فإنها جنتكم من عدوكم وبها مغانمكم وأنفالكم واستوصوا بمن جاورتموه من القبط خيرًا وإياكم والمسومات والمعسولات فإنهن يفسدن الدين ويقصرن الهمم‏.‏

حدثني عمر أمير المؤمنين أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏ إن الله سيفتح عليكم بعدي مصر فاستوصوا بقبطها خيرًا فإن لكم منهم صهرًا وذمة فكفوا أيديكم وعفوا فروجكم وغضوا أبصاركم ولا أعلمن ما أتى رجل قد أسمن جسمه وأهزل فرسه واعلموا أني معترض الخيل كاعتراض الرجال فمن أهزل فرسه من غير علة حططته من فريضته قدر ذلك واعلموا أنكم في رباط إلى يوم القيامة لكثرة الأعداء حولكم وتشوق قلوبهم إليكم وإلى داركم معدن الزرع والمال والخير الواسع والبركة النامية‏.‏

وحدثني عمر أمير المؤمنين أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏ إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندًا كثيفًا فذلك الجند خير أجناد الأرض ‏"‏ فقال له أبو بكر‏:‏ ولم يا رسول الله قال‏:‏ ‏"‏ لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة ‏"‏‏.‏

فاحمدوا الله معشر الناس على ما أولاكم فتمتعوا في ريفكم ما طاب لكم فإذا يبس العود وسخن العمود وكثر الذباب حمض اللبن وصوح البقل وانقطع الورد من الشجر فحي إلى فسطاطكم على بركة الله ولا يقدمن أحد منكم ذو عيال على عياله إلا ومعه تحفة لعياله على ما أطاق من سعته أو عسرته أقول قولي هذا وأستحفظ الله عليكم‏.‏

قال‏:‏ فحفظت ذلك عنه فقال والدي بعد انصرافنا إلى المنزل - لما حكيت له خطبته - إنه يا بني يحدو الناس إذا انصرفوا إليه على الرباط كما حداهم على الريف والدعة‏.‏

السنة الأولى من ولاية عمرو بن العاص الأولى على مصر وهي سنة عشرين من الهجرة‏:‏ فيها كانت غزوة تستر وفيها توفي بلال بن رباح الحبشي مولى أبي بكر الصديق وحمامة أمه وكان من السابقين الأولين وممن عذب في الإسلام وشهد بدرًا وكان مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم مات بدمشق بالطاعون في هذه السنة وقيل في التي قبلها ودفن بدمشق بالباب الصغير وله بضع وستون سنة - رضي الله عنه‏.‏

وفيها توفيت زينب بنت جحش بن رباب الأسدي - أسد خزيمة - أم المؤمنين تزوجها النبي وفيها توفي البراء بن مالك الأنصاري أخو أنس بن مالك الأنصار في النجاري‏:‏ كان أحد الأبطال الأفراد في الصحابة - رضي الله عنهم‏.‏

وفيها توفي عياض بن غنم أبو سعد من المهاجرين الأولين شهد بدرًا وغيرها - رضي الله عنه‏.‏

وفيها توفي سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي‏:‏ كان من أشراف بنى جمح له صحبة ورواية قال الذهبي‏:‏ روى عنه عبد الرحمن بن سابط‏.‏

وفيها توفي أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وكان رضيع النبي وشبيهه‏.‏

وفيها توفي هرقل عظيم الروم وقام ابنه قسطنطين مكانه‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربعة أذرع وتسعة أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وإحدى وعشرون إصبعًا‏.‏

السنة الثانية من ولاية عمرو وهي سنة إحدى وعشرين من الهجرة‏:‏ فيها فتحت الإسكندرية في مستهلها على يد عمرو بن العاص بعد أمور وحروب وفي آخرها افتتح عمرو بن العاص برقة وصالحهم على ثلاثة عشر ألف دينار‏.‏

وفيها اشتكى أهل الكوفة سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه فصرفه عمر وولى عليهم عمار بن ياسر على الصلاة وولى عبد الله بن مسعود على بيت المال وولى عثمان بن حنيف على مساحة أرض السواد‏.‏

وفيها كان فتح نهاوند وأستشهد أمير الجيش الذي توجه إليها وهوا لنعمان بن مقرن المزني واستشهد أيضا يومئذ طليحة بن خويلد بن نوفل وفتحت تستر‏.‏

وفيها صالح أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس على أنطاكية وملطية وغيرهما‏.‏

وفيها توفي خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي أبو سليمان سيف الله كذا لقبه النبي صلى الله عليه وسلم وأمه لبابة أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين ودفن بحمص وقبره مشهور يقصد للزيارة‏.‏

وفيها توفي العلاء بن الحضرمي واسم الحضرمي عبد الله بن عباد بن أكبر بن ربيعة بن مقنع بن حضرموت حليف بني أمية وإلى أخيه تنسب بئر ميمونة التي بأعلى مكة احتفرها في وفيها توفي الجارود العبدي‏:‏ سيد عبد القيس وكنيته أبو عتاب وقيل أبو المنذر وقيل اسمه بشر ولقب جارودًا لأنه أغار على بكر بن وائل فأصابهم وجردهم أسلم سنة عشر من الهجرة وفرح النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامه‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمسة أذرع وإصبعان‏.‏

مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وخمسة أصابع‏.‏

السنة الثالثة من ولاية عمرو الأولى على مصر وهي سنة اثنتين وعشرين من الهجرة‏:‏ فيها افتتح عمرو بن العاص طرابلس الغرب وقيل في التي بعدها وفيها غزا حذيفة مدينة الد ينور فافتتحها عنوة وقد كانت فتحت قبل لسعد ثم انتقضت‏.‏

وفيها أيضا غزا حذيفة ما سبذان فافتتحها عنوة وقيل كان افتتحها سعد ثم نقضوا وقال طارق بن شهاب‏:‏ غزا أهل البصرة ماه فأمدهم أهل الكوفة وعليهم عمار بن ياسر فأرادوا أن يشركوا في الغنائم فأبى أهل البصرة ثم كتب إليهم عمر‏:‏ الغنيمة لمن شهد الوقعة‏.‏

وفيها فتحت همذان قاله ابن جرير وغيره وفيها فتحت الري وما بعدها ثم فتحت أذربيجان في قول الواقدي وأبي معشر وقال سيف‏:‏ كانت في سنة ثماني عشرة وكان بين أهل هذه البلاد والمسلمين حروب كثيرة حتى فتح الله عليهم‏.‏

وفيها توفي أبي بن كعب في قول الواقدي وابن نمير والد يلمي واليزيدي وقيل في سنة تسع عشرة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أعني القاعدة ستة أذرع واثنا عشر إصبعًا مبلغ الزيادة فيها ستة عشر ذراعًا وثمانية عشر إصبعًا‏.‏

السنة الرابعة من ولاية عمرو الأولى على مصر وهي سنة ثلاث وعشرين من الهجرة‏:‏ فيها فتح كرمان وكان أميرها سهل بن عدي‏.‏

وفيها فتحت سجستان وكان أمير الجيش عاصم بن عمر‏.‏

وفيها فتحت مكران وكان أمير الجيش لفتحها الحكم بن عثمان وهي من بلاد الجبل‏.‏

وفيها - ذكر سيف عن مشايخه‏:‏ أن سارية بن زنيم قصد فسا ودارابجرد واجتمع له جموع من الفرس والأكراد عظيمة ودهم المسلمين منهم أمر عظيم ورأى عمر بن الخطاب في تلك الليلة فيما يرى النائم معركتهم وعددهم في وقت من نهار وأنهم في صحراء وهناك جبل إن استندوا إليه لم يؤتوا إلا من جهة واحدة فنادى عمر من الغداة للصلاة جماعة حتى إذا كانت الساعة التي كان رأى أنهم اجتمعوا فيها خرج إلى الناس فصعد المنبر فخطب الناس وأخبرهم بما رأى ثم قال‏:‏ يا سارية الجبل الجبل‏!‏ ثم قال‏:‏ إن لله جنودًا ولعل بعضها أن يبلغهم قال‏:‏ ففعلوا ما قال عمر فنصرهم الله على عدوهم وفتحوا البلد وقيل في رواية أخرى‏:‏ إنما كان عمر في خطبة الجمعة‏.‏

- وفيها حج عمر بن الخطاب بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهي آخر حجة حجها‏.‏

وفيها غزا معاوية بن أبي سفيان الصائفة حتى بلغ عمورية‏.‏

وفيها توفي قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر بن سواد بن كعب واسمه ظفر بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس أبو عمرو الأنصاري الظفري أخو أبي سعيد الخدري لأمه وقتادة الأكبر‏.‏

شهد قتادة وقعة بدر وأصيبت عينه ووقعت على خده في يوم أحد فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فغمز حدقته وردها إلى موضعها فكانت أصح عينيه‏.‏

قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي أبو حفص القرشي العدوي الفاروق‏.‏

استشهد في يوم الأربعاء لثمان بقين من ذي الحجة وقيل لأربع وسنه يوم مات نيفت على ستين سنة وقيل غير ذلك على أقوال كثيرة‏.‏

ضربه أبو لؤلؤة - واسمه فيروز - عبد المغيرة بن شعبة بخنجر في خاصرته وهو في صلاة الصبح فمات بعد ثلاثة أيام وتولى الخلافة بعده عثمان بن عفان - رضي الله عنهما وكانت خلافته عشر سنين ونصف لأنه ولي بعد وفاة أبي بكر الصديق في ثامن جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة‏.‏

قلت‏:‏ ويضيق هذا المحل عن ذكر شيء من بعضي مناقبه وما ورد في حقه من الأحاديث وقد ذكرنا ذلك في غير هذا المكان‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاثة أذرع وثمانية عشر إصبعًا مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعًا واثنا عشر إصبعًا‏.‏

السنة الخامسة من ولاية عمرو بن العاص الأولى على مصر وهي سنة أربع وعشرين من الهجرة‏:‏ فيها سار منويل الخصي إلى الإسكندرية فسأل أهل مصر عثمان إرسال عمرو بن العاص لقتال منويل المذكور فجاء إليها عمرو وحارب حتى افتتحها الفتح الثاني في هذه السنة وقيل‏:‏ بل كان ذلك في سنة خمس وعشرين وهو الأصح‏.‏

وفيها حج بالناس عثمان بن عفان - رضي الله عنه‏.‏

وفيها - في قول سيف - عزل عثمان سعدًا عن الكوفة وولى الوليد بن عقبة بن أبي معيط مكانه فكان هذا مما نقم على عثمان وكنيته أبو وهب وهو أخو عثمان لأمه وله صحبة ورواية روى عنه أبو موسى الهمذاني والشعبي وحارثة بن مضرب وغيرهم‏.‏

وفيها فتح معاوية بن أبي سفيان الحصون وولد له ابنه يزيد‏.‏

وفيها توفي سراقة بن مالك بن جعشم أبو سفيان المدلجي‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراعان وأربعة عشر إصبعًا مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعًا وستة أصابع‏.‏

ولاية أبن أبي سرح على مصر هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح واسمه الحسام وسرح بالسين والحاء المهملتين والحسام بن الحارث بن حبيب بالحاء المهملة مصغرًا بن جذيمة بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي أبو يحيى العامري عامر قريش‏.‏

ولي إمرة مصر بعد عزل عمرو بن العاص في سنة خمس وعشرين كما تقدم ذكره من قبل عثمان بن عفان وجاءه الكتاب بولايته وهو بالفيوم فجعل لأهل الجواب جعلًا فقدموا به مصر وسكن الفسطاط ومكث أميرًا على مصر مدة ولاية عثمان بن عفان كلها وهو أخو عثمان لأمه قاله ابن كثير قال‏:‏ وهو الذي شفع له يوم الفتح حين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدر دمه‏.‏

يأتي ذكر ذلك مفضلًا في آخر ترجمته من كلام ابن حجر بعد أن نذكر نبذة من أموره‏.‏

ولما ولي مصر أحسن السيرة في الرعية وكان جوادًا كريمًا ثم أمره عثمان أن يغزو إفريقية فإذا افتتحها كان له خمس الخمس من الغنيمة نفلًا‏.‏

فسار عبد الله بن أبي سرح المذكور إلى إفريقية في عشرة آلاف وغزاها حتى افتتح سهلها وجبلها وقتل خلقًا كثيرًا من أهلها - ثم اجتمعوا على الطاعة والإسلام وحسن إسلامهم‏.‏

وأخذ عبد الله بن أبي سرح المذكور خمس الخمس من الغنيمة وبعث بأربعة أخماسه إلى عثمان وقسم أربعة أخماس الغنيمة في الجيش فأصاب الفارس ثلاثة آلاف دينار والراجل ألف دينار‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وصالحه بطريقها على ألفي ألف دينار وخمسمائة ألف دينار وعشرين ألف دينار فأطلقها عثمان كلها في يوم واحد في آل الحكم ويقال‏:‏ في آل مروان ثم غزا عبد الله بن سعد بن أبي سرح المذكور إفريقية ثانية في سنة ثلاث وثلاثين حين نقض أهلها العهد حتى أقرهم على الإسلام والجزية واستشهد معه في هذه المرة بإفريقية جماعة منهم‏:‏ معبد بن العباس بن عبد المطلب وغيره‏.‏

ثم غزا في سنة أربع وثلاثين غزوة ذات الصواري في البحر من ناحية الإسكندرية فلقيه قسطنطين بن هرقل في ألف مركب وقيل في سبعمائة والمسلمون في مائتي مركب وتقاتلا فانتصر الأمير عبد الله هذا وهزم الروم وإنما سميت غزوة ذات الصواري لكثرة صواري المراكب واجتماعها‏.‏

وعاد إلى مصر فبلغه في سنة خمس وثلاثين خبر من ثار على عثمان - رضي الله عنه - ودخل منهم طائفة إلى مصر بأمر عثمان فإنه كان أخرج منهم جماعة إلى البصرة والشام ومصر فلما قدم من قدم منهم إلى مصر وافقهم جماعة من المصريين على خلاف عثمان كرهًا في ابن أبي سرح هذا لكونه ولي بعد عمرو بن العاص وأيضًا لاشتغاله عنهم بقتال أهل المغرب وفتح بلاد البربر وأندلس وإفريقية وغيرها ونشأ بمصر طائفة من أبناء الصحابة يؤلبون الناس على حرب عثمان وحرب عبد الله بن أبي سرح المذكور واجتمعوا واستنفروا من مصر في ستمائة راكب يذهبون إلى المدينة في صفة معتمرين في شهر رجب لينكروا على عثمان وساروا إلى المدينة تحت أربع رايات وأمر الجميع إلى عمرو بن بد يل بن ورقاء الخزاعي وعبد الرحمن التجيبي وأقبل معهم محمد ابن أبي بكر الصديق وأقام بمصر محمد بن حذيفة يؤلب الناس ويدافع عن هؤلاء فكتب ابن أبي سرح إلى عثمان يعلمه بقدوم هؤلاء القوم إلى المدينة منكرين عليه في صفة معتمرين فوقع لهم مع عثمان - رضي الله عنه - أمور يطول شرحها إلى أن سألوا عثمان عزل عبد الله بن أبي سرح هذا عن ولاية مصر ويولي عليهم محمد بن أبي بكر الصديق فأجابهم إلى ذلك ة فلما رجعوا وجدوا في الطريق بريديًا يسير فأخذوه وفتشوه فإذا معه في إداوة كتاب كتبه مروان بن الحكم كاتب عثمان وابن عمه والكتاب على لسان عثمان فيه الأمر بقتل طائفة منهم وصلب آخرين وقطع أيدي آخرين منهم وأرجلهم وكان على الكتاب طبع خاتم عثمان والبريد أحد غلمان عثمان - و - على جمله فلما رجعوا جاؤوا بالكتاب إلى المدينة وداروا به على الناس فكلم الناس عثمان في أمر الكتاب فقال عثمان ما معناه‏:‏ إنه دلس عليه الكتاب ثم قال‏:‏ والله لا كتبته ولا أمليته ولا دريت بشيء من ذلك والخاتم قد يزور على الخاتم فصدقه الصادقون وكذبه الكاذبون في ذلك‏.‏

واستمر عبد الله بن أبي سرح على عمله على كرهٍ من المصريين إلى أن خرج من مصر متوجهًا إلى عثمان بعد أن استخلف عليها عقبة بن عامر الجهني‏.‏

وقتل عثمان - رضي الله عنه - واستخلف علي - رضي الله عنه فعزل عبد الله ابن أبي سرح هذا عن مصر وولاها لقيس بن سعد بن عبادة - رضي الله عنهما‏.‏

ثم استولى على مصر جماعة من قبل علي بن أبي طالب وقاتلوا عقبة بن عامر على ما سيأتي ذكره بعد أن نذكر من توفي في أيام ولاية عبد الله بن سعد ابن أبي سرح هذا على مصر كما هو عادة كتابنا هذا‏.‏

وكان عزل عبد الله ابن أبي سرح عن مصر في سنة ست وثلاثين بعد أن حكمها نحوًا من عشر سنين‏.‏

وأما عبد الله بن سعد بن أبي سرح صاحب الترجمة فلم أقف له على خبر بعد ذلك غير أن بعض المؤرخين ذكروا أنه توفي بفلسطين في - سنة ست وثلاثين المذكورة ويقال غير ذلك أقوال كثيرة منها‏:‏ قال الحافظ شهاب الدين بن حجر العسقلاني في الإصابة‏:‏ روى الحاكم من طريق السدي عن مصعب بن سعد عن أبيه قال‏:‏ لما كان يوم فتح مكة أمن النبي صلى الله عليه وسلم الناس كلهم إلا أربعة نفر وامرأتين‏:‏ عكرمة وابن خطل ومقيس بن صبابة وابن أبي سرح وذكر الحديث قال‏:‏ فأما عبد الله فاختبأ عند عثمان فجاء به عثمان حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبايع الناس فقال‏:‏ يا رسول الله بايع عبد الله فبايعه بعد ثلاث ثم أقبل على أصحابه فقال‏:‏ ‏"‏ أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن مبايعته فيقتله ‏"‏‏.‏

ومن طريق يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ كان عبد الله بن سعد بن أبي سرح يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فزين له الشيطان فلحق بالكفار فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل ‏"‏ يعني يوم الفتح ‏"‏ فاستجار بعثمان فأجاره النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

أخرجه أبو داود‏.‏

وروى ابن سعد من طريق ابن المثيب قال‏:‏ كان رجل من الأنصار نذر إن رأى ابن أبي سرح أن يقتله فذكر نحوًا من حديث مصعب بن سعد عن أبيه‏.‏

وروى الدار قطني من حد يث سعيد بن يربوع المخزومي نحو ذلك ومن طريق الحكم بن عبد الله عن قتادة بن أنس بمعناه وأوردها ابن عساكر من حديث عثمان بن عفان أيضًا وأفاد سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان أن الأنصاري الذي قال‏:‏ فهلا أومأت إلينا هو عباد بن بشر ثم قال‏:‏ وقيل‏:‏ إن الذي قال هو عمر‏.‏

وقال ابن يونس‏:‏ شهد فتح مصر واختط بها وكان صاحب الميمنة في الحرب مع عمرو بن العاص في فتح مصر وله مواقف محمودة في الفتوح وأمره عثمان على مصر‏.‏

ولما وقعت الفتنة سكن عسقلان ولم يبايع لأحد ومات بها سنة ست وثلاثين وقيل‏:‏ كان قد سار من مصر إلى عثمان واستخلف السائب بن هشام بن عمرو فبلغه قتله فرجع فتغلب على مصر محمد بن أبي حذيفة فمنعه من دخولها فمضى إلى عسقلان وقيل إلى الرملة وقيل بل شهد صفين وعاش إلى سنة سبع وخمسين‏.‏

ذكره ابن منده‏.‏

وقال البغوي‏:‏ له عن النبي صلى الله عليه وسلم حد يث واحد وخرجه ووقع لنا بعلو في المعرفة لابن منده‏.‏

انتهى كلام ابن حجر باختصار وتأتي بقية ترجمة ابن أبي سرح هذا في حوادث سنيه‏.‏

السنة الأولى من ولاية عبد الله بن سعد بن أبي سرح على مصر وهي سنة خمس وعشرين من الهجرة‏:‏ فيها في قول سيف عزل عثمان سعدًا عن الكوفة وفيها سار الجيش من الكوفة وعليهم سليمان بن ربيعة إلى برذعة فقتل وسبى وفيها حج بالناس عثمان بن عفان - رضي الله عنه‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ستة أذرع واثنا عشر إصبعًا مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وخمسة أصابع‏.‏

بن سعد بن أبي سرح على مصر وهي سنة ست وعشرين من الهجرة‏:‏ فيها فتحت سابور وكان أمير الجيش عثمان بن أبي العاص الثقفي صالحهم على ثلاثة آلاف ألف وثلاثمائة ألف‏.‏

وفيها زاد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - في المسجد الحرام ووسعه واشترى الزيادة من قوم وأبى آخرون فهدم عليهم ووضع الأثمان في‏.‏

بيت المال فصاحوا بعثمان فأمر بهم إلى الحبس وقال‏:‏ ما جرأكم علي إلا حلمي وقد فعل هذا عمر فلم تصيحوا عليه‏.‏

وفيها حج عثمان بن عفان بالناس‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمسة أذرع وعشرون إصبعًا مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعًا وأربعة أصابع وقيل خمسة عشر إصبعًا‏.‏

السنة الثالثة من ولاية ابن أبي سرح على مصر وهي سنة سبع وعشرين‏:‏ فيها توفي عبد الله بن كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول وكنيته أبو يحيى وقيل أبو الحارث‏.‏

صحابي شهد بدرًا‏.‏

وفيها فتحت الأندلس وكان أميرا الجيش عبد الله بن الحصين وعبد الله بن عبد القيس أتياها من قبل البحر كتب إليهما عثمان - رضي الله عنه - يقول‏:‏ ‏"‏ إن القسطنطينية إنما تفتح من قبل البحر وأنتم إذا فتحتم الأندلس فأنتم شركاء لمن يفتح قسطنطينية في الأجر آخر الزمان والسلام ‏"‏‏.‏

قال ابن جرير‏:‏ قال بعضهم وفي هذه السنة غزا معاوية قبرس‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ كان ذلك في سنة ثمان وعشرين‏.‏

وقال أبو معشر‏:‏ غزاها معاوية سنة ثلاث وثلاثين والله أعلم‏.‏

وقاد الواقدي‏:‏ في هذه السنة فتحت اصطخر ثانيًا على يدي عثمان ابن أبي العاص‏.‏

وقال الذهبي‏:‏ فيها غزا معاوية قبرس وكان معه عبادة بن الصامت وزوجة عبادة أم حرام بنت ملحان الأنصارية فاستشهد ت كان النبي صلى الله عليه وسلم يغشاها ويقيل عندها وبشرها بالشهادة‏.‏

وفيها صالح عثمان بن أبي العاص أهل أرجان على ألفي ألف ومائتي ألف وصالح أهل دارا بجرد على ألف ألف وثمانين ألفًا‏.‏

وفيها غزا أمير مصر ابن أبي سرح صاحب الترجمة إفريقية حسبما تقدم وكان معه عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن الزبير بن العوام وكان المسلمون في عشرين ألفًا وكان العدو يعني جرجير في مائتي ألف مقاتل وفتح الله وغنم المسلمون شيئًا كثيرًا وفيها حج بالناس عثمان - رضي الله عنه‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربعة أذرع وثلاثة عشر إصبعًا مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعًا وخمسة عشر إصبعًا‏.‏

 السنة الرابعة من ولاية ابن أبي سرح على مصر

وهي سنة ثمان وعشرين‏:‏ فيها فتحت قبرس على يد معاوية قاله الذهبي في قول وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - منع المسلمين من الغزو في البحر شفقة عليهم فلما ولي عثمان استأذنه معاوية فأذن له ففتح الله على يده‏.‏

وفيها غزا حبيب بن مسلمة سورية من أرض الروم قاله الواقدي‏.‏

وفيها غزا الوليد بن عقبة أذربيجان فصالحهم مثل صلح حذيفة‏.‏

وفيها حج بالناس أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاثة عشر ذراعًا وثمانية عشر إصبعًا مبلغ الزيادة تسعة السنة الخامسة من ولاية ابن أبي سرح على مصر وهي سنة تسع وعشرين‏:‏ فيها افتتح عبد الله بن عامر اصطخر في قول عنوة فقتل وسبى‏.‏

وكان على مقدمته عبيد الله بن معمر بن عثمان التيمي وكلاهما صحابي‏.‏

وفيها عزل عثمان أبا موسى الأشعري عن البصرة بعد عمالة ست سنين وقيل ثلاث وولى عليها عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس وهو ابن خال عثمان وجمع له بين جند أبي موسى وجند عثمان ابن أبي العاص وله من العمر خمس وعشرون سنة فأقام بها ست سنين‏.‏

وفيها وسع عثمان بن عفان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وبناه بالقضة وهي الكلس كان يؤتى به من بطن نخل والحجارة المنقوشة وجعل عمده حجارة مرصعة وسقفه بالساج وجعل طوله ستين ومائة ذراع وعرضه خمسين ومائة ذراع وجعل أبوابه ستة على ما كانت عليه في زمن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه‏.‏

وفيها حج بالناس عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وضرب له بمنى فسطاط فكان أول فسطاط ضربه عثمان بمنى وأتم الصلاة عامه هذا فأنكر ذلك عليه غير واحد من الصحابة كعلي وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود‏.‏

وفيها نقضت أذربيجان فغزاهم سعيد بن العاص حتى افتتحها ثانيًا وفيها فتحت أصبهان وفيها عزل عثمان الوليد بن عقبة بن أبي معيط عن الكوفة وولاها سعيد بن العاص‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمسة أذرع وستة عشر إصبعًا مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعًا وثمانية عشر إصبعًا‏.‏

السنة السادسة من ولاية ابن آبى سرح على مصر وهي سنة ثلاثين بعد الهجرة‏:‏ فيها افتتح عبد الله بن عامر مدينة هور من أرض فارس وغنم منها شيئًا كثيرًا‏.‏

ثم افتتح عبد الله المذكور أيضًا بلادًا كثيرة من أرض خرا سان ثم افتتح نيسابور صلحًا ويقال عنوة ثم صالح أهل سرخس على مائة وخمسين ألفًا وصالح أهل مرو على ألفي ألف ومائتي ألف ولما فتح عبد الله بن عامر هذه البلاد الواسعة كثر الخراج على عثمان وأتاه المال وفيها نقض أهل خراسان وتجمعوا فنهض لقتالهم الأحنف بن قيس وقاتلهم حتى هزمهم وكانت وقعة مشهورة‏.‏

وفيها توفي الطفيل بن الحارث بن عبد المطلب المطلبي وهو أخو عبدة بن الحارث والحصين بن الحارث وكان ممن شهد بدرًا مع النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وفيها توفي أبي بن كعب في قول الواقدي وقد تقدم وهذا أثبت الأقوال في موته وفيها توفي حاطب بن أبي بلتعة اللخمي حليف بني أسد بن عبد العزى وهو صحابي شهد بدرًا - رضي الله عنه‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن كعب بن عمرو المازني الأنصاري البدري أيضًا‏.‏

كنيته أبو الحارث وقيل أبو يحيى شهد بدرًا وكان على الخمس يوم بدر - رضي الله عنه‏.‏

وفيها توفي عياض بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال أبو سعد القرشي كان أيضًا ممن شهد بدرًا والمشاهد بعدها هكذا قال ابن سعد وفرق بينه وبين ابن أخيه عياض بن غنم بن زهير الفهري أمير الشام المتوفى سنة عشرين‏.‏

وفيها توفي معمر بن أبي سرح واسمه ربيعة بن هلال القرشي الفهري أبو سعيد وقيل اسمه عمرو وهو أيضًا ممن شهد بدرًا‏.‏

وفيها توفي مسعود بن ربيعة وقيل ابن الربيع أبو عمير القاري والقارة حلفاء بني زهرة وهو أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربعة أذرع وستة عشر إصبعًا مبلغ الزيادة أربعة عشر ذراعًا وإحدى وعشرون إصبعًا‏.‏